البرتينا في عيون عربية
لم أنتبه للغيوم التي غافلتني على سهو مني منذرة بهبوب عاصفة مفاجئة محمَّلة بالغيوم الرمادية التي أعلنت عن نفسها بأمطارٍ مدهشة.
يبهرني الشتاء في تقلباته ومزاجه الغاضب، أحب طقوسه في إرباك المشاعر.
هربت مسرعة الخطى إلى درج ألبرتينا المزين بالرسوم والصور الملونة لطالما حلمت بأن ألتقط بعض الصور على هذا الدرج.
أضيف هذا الحلم إلى أحلامي السابقة.
خوفي من رذاذ المطر الذي بدأ بالهطول منعني من التقاط الصور. أسرعت في الدخول إلى فسحة كبيرة تسبق المدخل الذي لم أتخيله بهذه المساحات الطويلة جداً والمفروشة بالسجاد الأحمر، والتماثيل والعواميد تصطف على جانبي الممر المؤدي إلى قاعة كبيرة.
هدوء يخيم على المكان ورهبة. الهاتف صامت هكذا هي تعاليم الأماكن السياحية حتى لاتزعج السياح والزوار.
كنت متشوقة جداً لرؤية اللوحات التي حلمت منذ الصغر أن أشاهدها فأنا عاشقة للفن.
أولى الخطوات إلى قاعة كبيرة في صدر الحائط تتربع اللوحات متباعدة مع شرح مفصل لكل واحدة على حدة.
القاعات كثيرة والمتحف كبير وأنا أتنقل بين اللوحات، بعضها يأخذني إلى أبجديتي الأولى ويشعل الحنين في نفسي إلى بلدٍ أحبه.
بلدي سوريا، ظروفي دعتني إلى مغادرتها مكرهة منذ زمن طويل ولم أكن أعلم بأن اللون يستطيع أن يأخذني إلى أماكن أحبها في بلدي . لفستان أمي نفس درجة الألوان،
وسجادة في منزلنا تحمل بعض ألوان سماء بلدي،
إلى الشام وقاسيون وزحمة الطرقات وإلى سوق الحميدية والأسواق الشعبية
إن الأحاديث طويلة التي تدور في دواخلنا، هلوَسات أحلام عقيمة، صرخات و ضحكات، أحداث وفوضى مبعثرة هنا وهناك. في دواخلنا زوايا حالكة الظلمة وأخرى مضيئة، ونحن نتنقل في تلك الزوايا متألمين وبابتسام
الشام، شامة الدنيا بلد الحضارات وبلد الأولياء والصالحين.
وتعاندين على شجرات الزمن
تقفين يادمشق تعاندين
وتغسلين القلوب كلما ضاقت
بماء الياسمين وزهر الليمون
ستبقين آية الجمال
وعشق الحياة وأمان الروح
تسكن فيك عطور الحضارات
ولهفة العشاق
أفقت من شرودي ورأيت نفسي أمام لوحة ( مونيه) الساحرة، لوحة مقتبسة من صفاء السماء تحمل زهوراً تدور الفراشات حولها،
إنها مثل أرض ممطرة، سماؤها غائمة تنعكس على صفحة ماء تسافر إلى داخلك بصفاء وهدوء.
أعمال مونيه تعطيك حلماً وهدوءاً يأخذك إلى عالم بعيد.
لوحات مونيه كانت في ضيافة متحف ألبرتينا في تلك الفترة .
الموبيل الصامت في يدي وأحمل جاكيت خفيفاً على يدي مع حقيبتي، خيال الصمت يصهل في داخلي يقول لي متى يكون في بلدنا
متحف مماثل ليتمكن الناس وأهل البلد من رؤية هذا الجمال؟ الفن غذاء للروح قبل الجسد.
بعض اللوحات تجوب العالم الأوربي ليتمكن الناس من محبي الفن من رؤيتها حيث تستضيفها المتاحف.
كل ساعة أتفقد الهاتف لايوجد أي رسائل، بدأ القلق يساورني
ربما سرحت قليلاً بأفكاري، لفت انتباهي بعض الضباب الذي تشكل على النوافذ المحيطة بالقصر ( المتحف) اقتربت أنظر إلى المدينة التي ارتدت الضباب مع المطر المنهمر بغزارة على القرميد الأحمر الذي يغطي أسطحة المباني، ويغسل الأشجار والشوارع.
المبنى يتوسط عدة شوراع رئيسية وكأنه علامة فارقة وتحفة معمارية.
مميز في بنائه وشكله الخارجي والداخلي يحتل مساحة كبيرة.
عدت إلى اللوحات عن الطبيعة والأشخاص التي ينقلها الفن لنا من خلال الريشة والألوان، يأخذنا إلى عهد مضى لفنانين ذهبوا وظلت لوحاتهم تحمل أسماءهم و تتحدى الزمن والظروف، وظلت لوحاتهم صامدة تحكي قصصاً من زمن مضى.
اقتربت من النافذة مرة أخرى حيث تجلى البرق وهو يلمع في السماء وكأنه ابن تمرد على الشمس وخرج غاضباً ..
ترك المنظر لي حرية التفسير والظنون يقال بأن الأمنيات تتحق إذا طُلبت وقت حدوث البرق.
وعلى مدى الأعوام الماضية تتكدس أمنياتي عام إثر عام ولم تتحقق، وأنا أبحث عن الحب في هذه الحياة أرتجل قصة حب في خيالي وأقوم باعتلاء خشبة مسرح من خيالي أرى شخصاً يتقدم لخطبتي، حبيباً تمنيته من زمان ويعلو تصفيق الجمهور فرحين بي ماأجمل الأحلام عندما تحتلنا وتطوف بنا في أغلب الأحيان.
أحن إلى عالمي الخيالي،
أرى نفسي كأغنية لم يمسها وتر أشدو وأشدو بفرح طفولي،
وصحوت من حلمي ووجدت نفسي داخل متحف ألبرتينا أبحث عن موبيلي المفقود الصامت
لست أدري أمام أي لوحة أو في أي قاعة أو أي طابق فقدته، فالمبنى يتكون من عدة طوابق وربما نسيته في غمرة أحلامي وأمنياتي
التي تظل حبيسة في داخلي لاترى النور.
وعيوني تنتظر أحداثاً لا تحدث، ولسان حالي يغني في داخلي لفيروز أغنية
يا حبيبي الهَوَى مَشَاوير
وقصص الهَوَى متل العَصَافير
لا تحزن يا حبيبي إذا طارت العصافير
ليلى حاجولة
سورية مقيمة في النمسا فيينا

